هل السيارات بدون سائق هي الحل لتحسين السلامة على الطريق؟

ShareTweet about this on TwitterShare on FacebookGoogle+Email to someone

قد يتغير مشهد المدن بحلول عام 2025 بإدخال تكنولوجيا السيارات بدون سائق المصممّة للحد من ازدحام حركة السير وتحسين السلامة على الطريق. ويعكف الدكتور جيمس فو وفريق من تحالف معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والمؤسسة الوطنية للبحوث في سنغافورة على ابتكار تكنولوجيا السيارات هذه وتغيير أسلوب تنقلنا بين المنزل والعمل.

وهناك أسباب كثيرة لامتلاك سيارة؛ فهي تمنح السائقين قدراً أكبر من القدرة على التنقل والاستقلالية، بل إنها قد ترمز لدى البعض إلى المركز الاجتماعي. وقد أدت هذه الأسباب، وما يقترن بها من تزايد في وفرة السيارات بأسعار معقولة، إلى نمو سريع في امتلاك السيارات – ففي عام 2010، بلغ عدد السيارات في العالم 1,015 بليون سيارة، غير أنه يتوقع أن يصل عدد السيارات على الطرقات بحلول عام 2035 إلى 1,7 بليون سيارة. وسيؤثر هذا النمو سلبياً في الوقت المستغرق في الرحلة، حيث إن الموظفين في الولايات المتحدة الأمريكية يقضون في المتوسط 38 ساعة في العام عالقين في زحمة الطريق بين العمل والمنزل. وهذا رقم مفاجئ نظراً لأن السيارة تستخدم في المتوسط لمدة تقل عن 10 في المائة من الوقت. وستفاقم هذه الأعداد الإضافية من السيارات أيضاً الإحصائيات الحالية فيما يتعلق بالسلامة: إذ تسجل كل عام 1,24 مليون حالة وفاة في حوادث الطريق في العالم، حيث تأتي في مقدمة أسبابها القيادة في حالة سكر والشرود أثناء القيادة، مثلاً بكتابة الرسائل النصية أثناء القيادة. ويتعين إدخال تغييرات في تكنولوجيا السيارات لتلبية الطلب المتزايد وتحسين السلامة على الطريق مع صون الحريات المرتبطة بامتلاك السيارات.

ولقد انتهيت من درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية في الجامعة الوطنية لسنغافورة، وطورت إطاراً يسمح لعناصر وسيطة متعددة (أو روبوتات) بأداء مهام متعددة بصورة ناجعة تماماً. ومكنّني ذلك في عام 2013 من الانضمام بصفة منتسب حامل لدرجة الدكتوراه إلى فريق البحوث المعني بالتنقلية في المناطق الحضرية في المستقبل، وهو فريق تابع لتحالف معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والمؤسسة الوطنية للبحوث في سنغافورة (SMART) – شراكةً بين معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والمؤسسة الوطنية للبحوث في سنغافورة تتألف من لفيف من الأساتذة، والباحثين من حملة درجة الدكتوراه، والمهندسين الباحثين وطلبة درجة الدكتوراه. ومنذ ذلك الحين، أصبحت رئيساً للمشروع في فريق السيارات المستقلة.

ويركز عملنا على تطوير الذكاء والقدرة على اتخاذ القرارات في السيارات الذكية – أي كيف تفسر السيارة البيئة المحيطة بها، وكيف تعرف أن جسماً ما يتحرك نحوها وتتصرف تبعاً لذلك؟ وتدمج البحوث التكنولوجيات القائمة مع منهجيات جديدة لتيسير التوجيه الذكي من خلال عناصر أساسية ثلاثة – الإدراك والتخطيط والتحكم. وقد واجهنا الكثير من التحديات التقنية، في العتاد والبرمجيات على حد سواء، لكنها بالنسبة إليّ كانت الجزء الأكثر إمتاعاً في المشروع، إذ كنا أنا والفريق نشعر بقمة الرضا كلما توصلنا إلى أساليب جديدة تعمل بشكل جيد.

وتمثل السيارات بدون سائق تحولاً في النظرة التي نفهم بها النقل، من الناحيتين التكنولوجية والاجتماعية على السواء. بيد أن بلوغ مستقبل يتسم بالاستقلالية يتوقف على عدد من العناصر الرئيسية مثل الثقافة، والإرادة السياسية، وإذكاء الوعي العام، وتقبُّل الفكرة لدى المستعملين.

طريقة العمل: التكنولوجيا

على مدى ستة أشهر، تم استنساخ معمارية العتاد والبرمجيات المستخدمة في عربات الغولف البوجي بدون سائق في سيارة النقل المشغلة بحاسوب مشترك (SCOT)، وهي سيارة كهربائية حُوّلت إلى سيارة بدون سائق لاستخدامها على الطرقات العامة. وتمنح هذه السيارة القدرة على التنقل حسب الطلب (MoD)، وهو مفهوم بسيط يمكن من خلاله للسيارات الكهربائية الذكية أن تتحرك باستقلالية بمعزل عن تدخل الإنسان، وأن تتوقف لأخذ الركاب وإنزالهم. وهذا نظام نقل مرن يوازن بين الطلب والتخطيط في الوقت الفعلي.

وكان ركوب هذه السيارة للمرة الأولى أمراً لا يصدق؛ فالتخلي عن التحكم في السيارة كان ضرباً من السريالية إلى حد ما، ولكن كم كان رائعاً ذاك الشعور باستحداث تكنولوجيا ورؤيتها تعمل على الطريق – لقد طرنا من الفرح أنا والفريق.

أما التحدي الأول الرئيسي فكان تحويل السيارة من نمط القيادة اليدوية إلى “القيادة بالاتصالات”، حيث يتم التحكم في الوظائف الرئيسية لتشغيل السيارة (توجيه السيارة، وكبح الفرامل، ودواسة التحكم في السرعة، وتغيير السرعة)، من خلال إشارات كهربائية. ويتم ذلك باستخدام محركات كهربائية.

وزُودت السيارة بمحاسيس جاهزة لاكتشاف الضوء وتحديد المدى (LIDAR). وتصل قيمة المحاسيس والحواسيب عل متن السيارة إلى 30 000 دولار أمريكي، وبذلك فإن هذه التكنولوجيا ليست منخفضة التكلفة فحسب، بل إنها تتيح أيضاً مجالاً كاملاً للرؤية يبلغ 360 درجة – مقارنةً بمجال رؤية يبلغ 100 درجة عند البشر- لإعطاء معلومات عن الأجسام التي تحيط بالسيارة. وترسم خرائط البيئة المحيطة بالاستعانة ببيانات المحساس LIDAR، بينما تستخدم الحواسيب على متن السيارة خوارزميات أعدها فريق SMART لفهم البيئة المحيطة ثلاثية الأبعاد باستخدام ماسحات LIDAR ثنائية الأبعاد.

وثُبِّت محساس LIDAR مائل لأسفل على السقف، مما يمكّنه من معرفة الموقع الحالي؛ وبعد إدخال وجهة المستخدم، تخطط السيارة لمسار الرحلة استناداً إلى موقعها الحالي والخريطة الموضوعة سلفاً. ويُستخدَم محساس أمامي لاكتشاف أي عوائق، كالمشاة والسيارات الأخرى، وهو ما يسمح للسيارة بالمناورة بشكل مناسب بحسب مدى القرب من العائق.

وهذا يزيد من سلامة المشاة والركاب ويمكّن السيارة من التوجيه في المناطق المزدحمة ذات الكثافة السكانية، وفي الأنفاق والأماكن التي تنقطع فيها إشارات النظام العالمي لتحديد الموقع (GPS). وتعمل محاسيس LIDAR أيضاً عند ضعف الإنارة وهطول المطر المتوسط.

وبعد تزويد السيارة بهذه التكنولوجيا، يمكنها أن تُقل أربعة ركاب وقد اخُتبرت حالياً بسرعة خاصة بها على الطريق وصلت إلى 35 km في الساعة. وعند الشحن الكامل للسيارة، الذي يستمر من 6 إلى 8 ساعات، يمكن أن يصل مدى رحلتها إلى 130‑100 km.

ما هي مزايا السيارات بدون سائق؟

أعتقد أن بدء العمل بالسيارات بدون سائق سيجعل نظام النقل أكثر نجاعة وسيحسن السلامة. ففي المقام الأول، يمكن للسيارات بدون سائق أن تحل مشكلة “الميل الأول والأخير”، أي المسافة بين المنزل وبداية شبكة النقل، مثل محطات الحافلات أو محطة القطار، ومن نهاية شبكة النقل إلى مكان العمل. وتعالج أيضاً “مسألة إعادة التوازن”، أي إيصال سيارة إلى العميل الآخر الشريك في ملكيتها من العميل الأول دون الحاجة إلى سائق.

وقد أظهرت تجارب المحاكاة أنه يمكن لعدد من السيارات بدون سائق يساوي ضعف عدد السيارات العادية أن يمر بتقاطعات الطرق، وهو ما يحدّ من الازدحام – لا سيما خلال ساعات الذروة – ويحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها توقف السيارات وإعادة تشغيلها. بيد أن أكبر فائدة تتيحها تكنولوجيا القيادة بدون سائق تتمثل في القدرة على خدمة عملاء متعددين دفعة واحدة بفضل التسيير الذكي، مما يحدّ من أعداد السيارات الموجودة على الطريق بمقدار الثلثين تقريباً.

وتُحدث هذه التكنولوجيا أيضاً ثورة في مجال السلامة على الطريق. فالحواسيب ليست لها عواطف، ولا تتعب من المقود، ولا يشتت انتباهها هاتف متنقل ولا تقود بتهور: ويمكن لذلك أن يحد بشكل كبير من حوادث السيارات المميتة. وتستشعر المحاسيس الموجودة على متن السيارة أي شخص يتحرك أمام السيارة فتتوقف فوراً توقفاً اضطرارياً. والميزة الأخرى هي يسر الحصول على هذه السيارة؛ فالأشخاص الذين كان يتعذر عليهم في السابق امتلاك سيارة أو استخدامها، مثل المسنين، أو المعوقين أو صغار السن، يمكنهم الحصول بيسر على إمكانية التنقل.

والأهم من ذلك كله أن السيارة المستقلة تمنح مستخدميها تجربة أفضل.

المرحلة التجريبية – الحديقتان الصينية واليابانية في سنغافورة

أُنجز الجزء الأكبر من أعمال البحث في حرم الجامعة الوطنية لسنغافورة. وتم النجاح في طرح سيارة غولف مستقلة في عام 2011، ووُسِّع الأسطول في عام 2014 ليشمل سيارة كهربائية وعربتي بوجي إضافيتين بدون سائق.

ومن أجل فهم الفرص والتحديات المصاحبة لتكنولوجيا القيادة بدون سائق، بشكل أفضل بدأ فريق SMART في نشر عربتي غولف بوجي مستقلتين مزودتين بتكنولوجيا SMART في الحديقتين الصينية واليابانية في حي Jurong Lake بسنغافورة. وأتاحت لنا هذه التجربة عرض التكنولوجيا، وإبراز مفهوم التنقل حسب الطلب، وزيادة الوعي العام. وطيلة ستة أيام من كل أسبوع على مدى أسبوعين من 23 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 2014، شاهدنا كيف تفاعل الركاب والمشاة مع التكنولوجيا. وأمكن للناس حجز رحلة إلى ومن 10 وجهات محددة سلفاً عن طريق نظام حجز إلكتروني. وأتاح الاتصال بين السيارات لعربات الغولف البوجي أن تنتقي مساراتها بذكاء، إذ مكّنها من تحديد موقع كل منها لتجنب التداخل في مساراتها وضمان استخدامها استخداماً ناجعاً.

وكنا نتوخى في بادئ الأمر أن تقل العربتان البوجي وتقوم بإنزال نحو 100 شخص. غير أن العربتين نقلتا في الواقع أكثر من 500 شخص في أكثر من 220 رحلة قطعت 360 km – وفي بعض الأحيان كان على الناس الانتظار لساعتين لمجرد المشاركة في رحلة. وحسبنا القول إن العرض العام حظي بإقبال شعبي لم يخطر على البال. وكان خير جزاء أن يشاهَد الناس بأعداد كبيرة وهم يستخدمون هذه التكنولوجيا وتلقى عندهم هذا الانطباع الإيجابي، وأن يقول كثير منهم إنهم يأملون يوماً ما أن يروها ضمن نظام النقل.

الأهداف المستقبلية وتوفير السيارات بصورة تجارية

أؤمن بشدة أن نشر السيارات بدون سائق سيفيد المجتمع ويزيد من مستوى المعيشة، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية مثل سنغافورة. لكن رغم أن الاختبار التجريبي في الحديقتين الصينية واليابانية كان إيجابياً للغاية، يصعب التنبؤ بموعد تحول السيارات بدون سائق إلى واقع على نطاق واسع، لأن ذلك يرتبط بالعديد من العناصر. فيجب أن تكون البيئة مستعدة لإدماج هذه السيارات؛ ويجب أن تكون للحكومات نظرة استشرافية لإدخال التكنولوجيا اللازمة في المجتمع، مثل محطات الشحن والبُنى التحتية للشبكة التي تمكِّن من تحقيق التوصيلية بين السيارات والأشخاص، وإدخال التغييرات المطلوبة على تخطيط المدن في المستقبل.

ويتعين إذكاء الوعي العام لضمان شعور الناس، ركاباً وراجلين، بالراحة تجاه تكنولوجيا القيادة بدون سائق. ويكمن التحدي في التعريف بجوانب السلامة المعززة المصاحبة للسيارات المستقلة مع فقدان الملكية الفردية للسيارة. إذ إن السيارات ستعمل ضمن شبكة للنقل العام، حيث يمكن للأشخاص أن يطلبوا أو “يستدعوا” سيارة عن طريق طلب إلكتروني: وبعد أن توصلك السيارة إلى وجهتك، ستنطلق لنقل راكب آخر ينتظر. ويتوقع أن تقلص التنقلية الدائمة للسيارات المستقلة من عدد السيارات الموجودة على الطريق بمقدار ثلث العدد الحالي. ولذلك فإننا بصدد العمل على كيفية الارتقاء بهذه التكنولوجيا من حيث النجاعة والفعالية.

وسنغافورة منكبّة على بحث السُّبل التي يمكن بها إدماج السيارات المستقلة ضمن نظام النقل – فهي مدينة تتسم بالازدحام الشديد، ومساحتها 700 km2 ويسكنها 5,5 مليون نسمة وكان عدد السيارات في طرقاتها في عام 2013 يزيد عن 974,000 سيارة. وبالإعلان مؤخراً عن اتخاذ منطقة One-North ميداناً مفتوحاً لاختبار السيارات المستقلة، ستكون خطوة فريقنا المقبلة هي اختبار القدرات الحالية للسيارة ومتابعة أعمال البحث بشأن الطرقات العامة. وستمكننا أعمال البحث المتواصلة تلك من تحسين أساليب الاستجابة لسلوك المشاة المتوقع، وزيادة تطوير فهم واستجابة السيارة للبُنى التحتية للطرقات مثل خطوط الممرات، وإشارات المرور، والحق في أسبقية المرور.

وبوجه عام، آمل أن نشهد في السنوات الثلاث المقبلة نشراً أولياً لهذه السيارات بشكل من الأشكال، وآمل أن تكون في المجتمع سيارات بدون سائق مندمجة في نظام النقل بحلول عام 2025. وما يزال أمامنا طريق طويل، لكننا سنصل في النهاية.