الشباب والابتكار

ShareTweet about this on TwitterShare on FacebookGoogle+Email to someone

قصة فطوماتا: كيف يمكن للزراعة القائمة على التكنولوجيا المتنقلة أن توفر الغذاء لنحو 2,4 مليار نسمة في المستقبل؟

مع تسارع نمو السكان، علينا أن نفكر في الماء بأسلوب مختلف إذا أردنا أن نضمن الأمن الغذائي، ونحفظ النظم الإيكولوجية الهشة، ونحدّ من الفقر بحلول عام 2050. ويتصدى لهذه المسألة مشروع CONNECTED ECO لصاحبته فطوماتا كيبي، وهو أحد المشاريع الفائزة بمسابقة المبتكرين الشباب لتليكوم العالمي للاتحاد.
أنا مهندسة فضاء، غير أن رحلة قمت بها إلى مالي في عام 2009 ألهمتني فكرة مشروع CONNECTED ECO، وهو حل للزراعة الاجتماعية القائمة على التكنولوجيا المتنقلة يرجى منه أن يعالج أزمة المياه والغذاء المحدقة بالعالم.ومنذ صباي، استهواني الفضاء وكنت أشاهد صوره في كتب الفلك قبل أن أتعلم القراءة. وأنا حاصلة على ماجستير علوم في هندسة السوائل وأتابع دراستي في السنة الثالثة للحصول على درجة الدكتوراه في علم الفلك بجامعة Pierre and Marie Curie في باريس. وقد حظيت أيضاً بفرص لم تخطر على بالي: فقد درست في الولايات المتحدة واليابان، وقضيت فترة تدريب داخلي بالمركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية(CNRS) ، ووكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، حيث عملت على مهمة استكشاف كوكب الزهرة (Venus Express mission). وأنا أيضاً عضو في المجلس الاستشاري لجيل الفضاء (SGAC) الذي يحشد إبداع الشباب وحماسهم للمساهمة في مسائل السياسات الدولية المتعلقة بالفضاء من قبيل استكشاف مداراتنا وتنسيق استخدامها. وقد لا يكون ذلك ما تتوقعونه عن خلفية صاحبة مشروع للزراعة الاجتماعية.وقد دُعيت إلى مالي في إطار برنامج منظمة العمل الدولية بشأن نقل المعرفة عن طريق المواطنين المغتربين (TOKTEN)، الذي يعيد مغتربي البلدان النامية إلى بلدانهم الأصلية لفترة قصيرة من الزمن على أساس طوعي لتقاسم خبراتهم ومهاراتهم مع السكان المحليين للمساعدة على تحقيق التنمية. ومن خلال هذا البرنامج، أتيحت لي فرصة مقابلة أشخاص يعملون في مالي في مجالات متعددة مثل الزراعة وتمكين المرأة والتعليم. وجمعتني مناقشات كثيرة مع جيراني، ومع أعضاء إحدى الجمعيات التعاونية للنساء وبعض المزارعين. وصُدمت عندما سمعت أن المزارعين غير قادرين على إنتاج ما يكفي من الغذاء لإطعام أسرهم وأن عليهم أن يبيعوا قدراً كبيراً من محصولهم لسداد الفواتير والحصول على الرعاية الطبية.

ورغبت في فعل شيء ما للتصدي للمسألتين كلتيهما، شيء يمكن أن يبدأ بمجموعة صغيرة من الأشخاص ويعمم على القارة كلها.

ووجدت ضالتي في مسابقة المبتكرين الشباب التي نظمها الاتحاد لتحقيق هذه الغايات. وسيمكّنني تحدي إنترنت الأشياء من العمل على المسائل التي كنت أفكر فيها لسنوات: الماء، والزراعة، والبيئة، وتمكين المرأة.

وبدأت ببلورة فكرة عن مشروع زراعة اجتماعية تستعين بالتكنولوجيا المتنقلة بالتمعّن في بعض الحقائق الملموسة: فبحلول عام 2050، سيزيد عدد سكان العالم بمقدار الثلث، حيث سيرتفع من 7,2 مليار نسمة حالياً إلى 9,6 مليار نسمة. وسيعيش معظم السكان من هذه الزيادة الإضافية البالغة 2,4 مليار نسمة في البلدان النامية. وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية في نمو الدخل والاستهلاك، فسيكون على الإنتاج الزراعي أن يزيد بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المتوقع على الغذاء في العالم. وفي الوقت ذاته، تقوم النساء بنفس العمل الذي يقوم به الرجال تقريباً في الحقول في البلدان النامية إلى جانب الشؤون المنزلية الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة والتعليم بين النساء متدنية لحد لا يصدق: ففي مالي، لا يلم بالقراءة والكتابة سوى 20,3 من النساء، فيما لا يلتحق بالمدارس الثانوية من الفتيات دون سن العشرين سوى 23,1 في المائة، مقارنةً بنسبة 36 في المائة من الذكور. ولذلك يجب أن يحدث تحوّل في الزراعة في العالم النامي لكي توفر الغذاء للأعداد المتزايدة من سكان العالم وتوفر أساساً للنمو الاقتصادي والحدّ من الفقر.

ومن ثم فإن مشروعي سيتعين عليه التصدي لتحديين اثنين.

أولهما هو إلى أي مدى يجب أن تكون إدارة المياه في صلب هذه المشكلة لأنها تضطلع بدور حاسم الأهمية في إنتاج المحاصيل. وتحديات إدارة المياه في المستقبل ستختلف اختلافاً كثيراً عن تحدياتها في العقود الأخيرة؛ فالزراعة تستهلك أصلاً الحصة الأكبر من المياه العذبة، وستكون الإدارة الذكية لمياه الزراعة مسألة من مسائل السياسات الرئيسية في القرن الحادي والعشرين. ويكمن مفتاح الحل في معرفة الوقت المناسب للري والقدر المناسب من المياه للري، بيد أنه يجب أيضاً أن تؤخذ في الحسبان عوامل إضافية مثل ممارسات الإدارة، وأوجه التقدم التكنولوجي، وأسعار السوق والسياسات الزراعية.

وثانيهما، أن تمكين النساء من الحصول على التعليم يُعدّ حجر الزاوية في الحدّ من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي. بيد أن أثر ذلك سيتوقف على نوع الاستثمارات الاجتماعية
والتعليمية على السواء. ويجب بالتالي اتخاذ خطوات لضمان إدماج المرأة، لا في الفصول الدراسية فحسب، بل أيضاً في المجتمع بوجه عام.

نبذة عن مشروع CONNECTED ECO

يتناول مشروع CONNECTED ECO الحاجة إلى نموذج زراعي جديد لضمان إنتاج ما يكفي من الغذاء ذي النوعية الجيدة في الأماكن التي تشتد فيها الحاجة إليه، مع الحفاظ على النظام الإيكولوجي الطبيعي، ويشجع المشروع على تمكين المرأة من خلال التدريب الرقمي. ومشروع CONNECTED ECO هو حل الكلّ رابحٌ فيه ويمكنه أن يلبي مختلف احتياجات المزارعين، والمجتمعات المحلية والمستهلكين في العالم، من أجل تحقيق مزايا مشتركة.

ومشروع CONNECTED ECO هو حل للزراعة الاجتماعية القائمة على التكنولوجيا المتنقلة يستفيد من تكنولوجيا إنترنت الأشياء القائمة المتاحة بسهولة في العالم المتقدم، ويحول إمكانياتها إلى نموذج أعمال مستدام. وتستفيد المشاريع المبتدئة من القدرات القائمة في إنترنت الأشياء، التي تدمَج في تطبيق هاتف ذكي صُمم خصيصاً لهذا الغرض لإنشاء “مزارع ذكية”، حيث تُراقَب العمليات الإيكولوجية لتيسير إدارة “ذكية” للمياه، وتنفيذ الري بصورة أدق. وبجلب أرخص المحاسيس وأكثرها ملاءمة واستدامة إلى مالي، يمكننا البدء في إنشاء زراعة ذكية مستدامة: تعمل على تقليص هدر المياه، وزيادة الإنتاج الزراعي، وتعزيز الإلمام الرقمي بين المزارعات في التعاونيات.

المفهوم: كيف تعمل “الزراعة القائمة على التكنولوجيا المتنقلة”؟

بجمع بيانات آنية عن المحاصيل وظروف التربة، ييسر مشروع CONNECTED ECO تنفيذ زراعة مكيفة حسب الاحتياجات من أجل تعظيم الإنتاج الزراعي.

وسيُمنَح المزارعون محساساً لاسلكياً لإنترنت الأشياء طوره أحد الشركاء في التكنولوجيا، وهو مبرمج لقياس النقاط الحيوية في البيانات الزراعية، بما فيها مستويات الرطوبة، وشدة الضوء، ورطوبة التربة، والإيصالية الكهربائية. وتُنقَل هذه الإحصائيات عن طريق التكنولوجيا اللاسلكية Wi-Fi إلى تطبيق هاتف ذكي متكامل- أو عن طريق رسالة نصية قصيرة إلى أجهزة يدوية عادية – لإعطاء معلومات في الوقت الفعلي عن الظروف السائدة.

ويمكن للمستخدمين الحصول على رسوم بيانية وأشكال على لوحة التحكم في التطبيق تحلل البيانات على مدى فترات زمنية وتقارن القياسات مع قاعدة بيانات لظروف الأرصاد الجوية المحلية. وسيتمكن المزارعون، من خلال الحصول على معلومات مفصّلة عن أراضيهم، من تجويد تقنياتهم الزراعية، وتقليص إجهاد المحاصيل بسبب الإفراط في استخدام المياه، ومن ثم تقليص هدر المياه. ويقدم التطبيق للمزارعين نصائح بشأن أنسب وقت للري في اليوم وأنسب كمية لازمة للري من المياه، مما يتيح للمزارعين تطوير حلول مكيفة حسب أراضيهم.

وبأتمتة نظام المياه، يمكن أيضاً للتطبيق المتنقل أن يوزع تدفق المياه على المحاصيل ويتحكم فيه، فينظم بذلك الري تنظيماً أكثر فعالية. ولعلّ صمام المياه الذي يعمل بالطاقة الشمسية أحد أجهزة التحكم في تدفق المياه التي تسمح بأقصى قدر من الكفاءة في الري، إذا ما تمّ ربطه بنظام ري بالتنقيط. وبذلك سيمنع هذا المشروع الأضرار الناجمة عن الجفاف وعن الإفراط في الري على السواء.

وللنفاذ إلى الخدمات التي يوفرها برنامج CONNECTED ECO، سيتعين على المزارعين النفاذ إلى محور Wi-Fi.

التنمية الاجتماعية

يتطلب تحسين إدارة مياه الزراعة من أجل سوق عام 2050 الأخذ بنهج للتعلم عن طريق الفعل يتسم بالمرونة والتكيف على شاكلة مشروعنا. وبالإضافة إلى مساعدة المزارعين على خفض التكاليف مع زيادة إنتاجية التربة، يعزز نموذج أعمال CONNECTED ECO الاستدامة الاجتماعية والحد من الفقر. وتؤكد الأمم المتحدة أن تعليم الفتيات والنساء يمكن أن “يحمل مفتاح كسر سلسلة الفقر”، حيث يوفر لهنّ المهارات اللازمة للحصول على وظيفة والتحول إلى صاحبات مشاريع حرة، ومن ثم تحقيق نمو اقتصادي. ويضطلع الاتحاد بدور أساسي في تدريب النساء في البلدان النامية على المهارات الحيوية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال برامج من قبيل حملة التثقيف الرقمي للنساء بالشراكة مع منظمة Telecentre.org، التي دربت أكثر من مليون امرأة على الإلمام الرقمي، مما مكنهنّ من النفاذ إلى سوق العمل.

ويمكّن استخدام محاسيس المشروع CONNECTED ECO القائمة على إنترنت الأشياء وتطبيق الهواتف الذكية جيلاً جديداً من المواطنين الرقميين. ويمكن للأشخاص الذين لا يمتلكون أي معرفة بتطوير البرمجيات أن يتدربوا بسهولة على استخدام هذه التكنولوجيا. وسيركز نموذجنا على تعليم المزارعات في التعاونيات كيفية استخدام تكنولوجيا المشروع CONNECTED ECO، وتحسين إلمامهن بالحاسوب وتمكينهنّ ليصبحن أكثر نجاحاً في الزراعة. وبالتالي فإن نموذج المشروع CONNECTED ECO يخدم غرضاً اجتماعياً: يتمثل في إدماج الأشخاص المهمشين في سوق العمل والعمل على الحد من الفقر في العالم.

وسأنظم دورات تدريب خاصة وأعمل على تمكين البيئة المحلية حتى يتسنى للنساء تعليم نساء أُخريات، ومن ثم المساهمة في جهود بناء القدرات المستدامة والمستوفاة ذاتياً. وقد حددت جمعية تعاونية للنساء في كاتي، مالي، يمكن تدريبها على استخدام أجهزتنا القائمة على إنترنت الأشياء.

الخطوات التالية

نعكف حالياً على إكمال البحث والتطوير، بيد أنني حددت بالفعل مزرعة للزراعة الإيكولوجية في مالي لاختبار إمكانات المشروع CONNECTED ECO وتنقيحها.

وفور الانتهاء من فترة الاختبار، سيعمم استخدام المشروع CONNECTED ECO على جميع مناطق مالي، باستخدام محاسيس إنترنت الأشياء التي طورها أحد الشركاء في التكنولوجيا. وفي النهاية، نأمل أن نرى المشروع وقد نُفذ في منطقة غرب إفريقيا كلها.

الاتحاد

بما أن المشروع فاز في مسابقة المبتكرين الشباب لتليكوم العالمي للاتحاد 2014، فإن الشهرة التي اكتسبها ستساعد في تسريع تنفيذه لكي يتأتى لنا البدء في حل مشكلة إدارة مياه الزراعة والتشجيع على تمكين المرأة في مالي.

آمال في المستقبل

آمل أن ننجز الاختبار التجريبي في مالي هذا العام. وآمل أن تتبوأ النساء اللائي يستخدمن البرنامج CONNECTED ECO مكانة أرفع داخل المجتمع في السنوات الخمس المقبلة. وأنا واثقة من أنه سيزداد الإقرار بأهمية النساء في الدفع قُدماً بالتنمية وتولي القيادة في الجبهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية – وأرغب في أن أكون جزءاً من هذه العملية. وفي المدى الأطول، آمل أن يحول المشروع CONNECTED ECO أسلوب تفكير إفريقيا في الزراعة والري – ولدى إفريقيا فرصة لتكون رائدة في الإيكولوجيا الزراعية، وتصبح بذلك مستودع الحبوب في العالم.

وفيما يعنيني شخصياً، آمل عندما أنتهي من أطروحتي أن أعمل من أجل الحفاظ على البيئة في الفضاء وعلى الأرض. وآمل أن أصبح يوماً ما رئيسة تنفيذية لإحدى الشركات البيئية للفضاء والأرض.